مشهد سقطرى
يوتيوب
wb_sunny

الرئيسية

مقال ل : صلاح بن طوعري "الطريق إلى سُقطرى 5"

مقال ل : صلاح بن طوعري "الطريق إلى سُقطرى 5"

 

" لم يبق سوى القليل، وأصل إلى ساحل " قادامة" لأصطادكِ يا سلحفاة أنا و... 
ما أن أكملت ملاحظتك أعلاه بعبارة " والمجانين الستة"، أشحتُ عنك وجهي، قائلا : "وأنت أكثر جنونا منا!" 
لكن سرعان ما عدتُ لأحدق مجددا؛ "ملامحك المتحمسة" جذبتني فجأة لأيام مراهقتي،  
تحديدا إلى ما قبل عشرة أعوام ونيف، حيث كانت مغامرات صيد السلاحف في أشدها آنذاك،
أمام القرار الذي نص على  ملاحقة هواة صيد السلاحف، وتغريمهم مبلغ ( مائتي ألف ريال). 
رقم كهذا لم يكن بهين خاصة في تلك الحقبة، إلا أن هذا لم يمنع شباب ومراهقي سُقطرى، من خوض غمار الصيد في الذي بات محرما! 
بل أن ضخامة المبلغ كانت إحدى أهم الأسباب، في تساهل إدارة الأمن بالإفراج عن الكثير، ممن تم القبض عليهم آنذاك، بتهمة صيد السلاحف، مقابل تعهدا خطي. 
وذات ليلة، تمام الثامنة مساء، انطلقتُ أنا وأربعة آخرون إلى " قادامة". 
كان كل منا متحمسا بشكل غير اعتيادي، إذ كانت المرة الأولى، التي نذهب فيها، وسط أجواء أمنية تعدنا بالحبس والتغريم. 
ماذا إن تم القبض علينا؟ لا شيء معيب في هذا! "طيب" إن عدنا غانمين آمنين، ماذا سنقول لأهالينا؟ 
لاسيما أن عودتنا ستكون في ساعة متأخرة من الليل، إن لم تكن قرب الفجر. 
"هااا" رائحة السلحفاة القوية، كفيلة بأن تبعد عنا الشبهات، 
هذا إن لم نقرر حمل جزء من لحمها وحسائها إلى منازلنا. 
ثم أننا لسنا بسكارى بل صائدو سلاحف!. وصلنا أخيرا، لننتشر  فرادا، بحثا عن سلحفاة بحرية.. 
وجدنا واحدة، حلقنا حولها، والهم قلبها رأسا على عقب، لكن.. كان عليها ترقيم لدولة ما.. فصرخ أكبرنا ( العشريني الوحيد بيننا) منبها علينا أن لا نأكل ما ليس لنا! 
تركناها.. ولم تمض ساعة حتى قبضنا على أخرى. ولما وجدنا هذه خالية من الترقيم، هتفنا بصوت واحد: حلال! 
"إذن فهي حلالنا كونها سُقطرية! ( قاعدة عجيبة اتكأنا عليها)" 
مقلوبة على قوقعتها، غدت كائنا ضعيفا دون حول ولا قوة. 
وقبل أن نذبحها ونقطعها أوصالا، كانت تئن ونحن نسحبها.. في نشوة ظفر بتسلية خافتة! 
أتعلم.. تم ضبطنا متلبسون! إلا أن الدورية الأمنية تجاهلت فعلتنا، قائلة " لا عليكم، استمروا.. ما فائدة القرار مادام هناك واسطة وتساهل!" 
الآن.. لا وجود لذلك القرار، الذي اضمحل في يومه، رغم مقاومته الصورية حينها، لما يقارب العام أو أقل. 
ها أنت وأنا والرفاق الخمسة، نشكل اللحظة حلقة شبيهة بحلقة (ما قبل عشرة أعوام ونيف)، 
حول سلحفاة كانت تنوي أن تعشعش ببيضها، في زاوية ما من الشاطئ. 
وفيما بدت وكأنها تطلق صرخات نحيب متعددة بنفس واحد، التفت أنت نحوي، وأنا أهمهمُ متأففا بالسقطرية: " عاف مية حوزل ده مخلق؟! (إلى متى يظلم هذا الكائن؟!) " 
ثم سرعان ما تراجعت بُعد عشر خطوات للوراء، بعدما أضفتُ أنا قائلا: 
"عدى أنها -بعد الشواء والأكل- تظل ملتصقة بك لأكثر من يوم.. فرائحتها القوية حد الصداع، كفيلة بأن تجعلك من كارهيها أبد الدهر!"
آه، في الحقيقة، بت أشفق كثيرا على السلاحف هنا، إذ لا أهتمام من قبل المعنين، لا برامج توعية، لا ترقيم، لا دراسات، لا قانونا نافذا يحميها. 
وفي هذا لا محال من انقراضها، جراء استمرار صيدنا اللامسؤول، الهاوي لأجل التسلية لا أكثر. 
هي نعم حلالا شرعا، ولها فوائد صحية -كما يشاع-، لكنها أيضا 
تعد أحد أهم مكونات السلسلة الغذائية فى البيئة البحرية، وانقراضها يخل بالتواز البيئي. 
أرجوكم، دعوها تعيش بسلام! دعوها تعود.. لتخلصنا من قناديل البحر السامة!. 
تراجع الآخرون ضعف عدد خطواتك للوراء،  لأبقى وحيدا، أحدث السلحفاة، قائلا: ماذا لو ذبحناكِ ثم بقرنا بطنكِ؟. 
غالبا لن نقوى على التهام كل اللحم، عدى أننا لن نستطيع أكل الأجزاء الأخرى، ليبقى الكثير -من كل هذا- في العراء. 
ترى إن حصل هذا، هل ستتدخل "سوعيدوه"؟. 
بغتة، ينسل صوتك سائلا: يا فصيح، ايش قصدك بسوعيدوه؟".
يتبع... 

صلاح بن طوعري 

#أقلام_عربية_57

تصنيفات

المتابعة عبر البريد

اشترك في القائمة البريدية الخاصة بنا للتوصل بكل الاخبار الحصرية