مشهد سقطرى
يوتيوب
wb_sunny

الرئيسية

مقال ل صلاح بن طوعري« الطريق إلى سقطرى 7»

مقال ل صلاح بن طوعري« الطريق إلى سقطرى 7»



نحن المتعبون، الفقيرون، والأشقياء جدا جدا، نستحق هذا الإلتحام السماوي، 
ففي الشمس العاكفة اللحظة، وراء السحب، يتجلى هذا الصباح الغائم جزئيا، بنفحات هواء أسطورية! 
دعك من السيارة الآن، ولنعش هذا الإنتعاش بكل حواسنا، سيرا على الأقدام. 
بضع خطوات لا أكثر، و.. تطأ قدمانا شارع عشرين. أجزم لك، أن هذا الشارع عظيما ويتيما في آن! 
وإن كنت قد أطرقت نظرك إلى سطحه، حيث مادة السفلتة فيه "نص كم"، ما لبثت حتى رفعت ناظريك، 
متجاوزا بذلك حفرة من الحفر الكثيرة، الناخرة فيه، لتقسم لي بعدها، أنك في المدينة حقا! 
(لم تر شيئا بعد يا صاحبي!) 
الآن، وأنت تعدل مزاجك بكوب شاي حليب، محتبيا بعمامتك على إحدى ال "دكك"،  
لن تفلت من يديك، فرصة ثمينة كهذه، وستغدق على ملامح الجالسين حولك، بالكثير من نظراتك اللصة!  
(ملامحهم) أرايت كيف هي فريدة بتنوعها الحيوي! لكن.. "ويها بس عك نعاه"  أي كفاك هذا، ولتكن أكثر تحضرا. 
اسحب عينيك الطماعتين، واستبدلهما بأذنيك! 
اغمض عينيك وخذ نفسا عميقا.. وكمجاذيب "اليوجا"، تأمل أصواتهم بعمق. 
أخيرا: 
"-ما فهمت ايش يقولوا، بس حسيت وكأن في اختلاف بسيط في اللكنات بين مجموعة ومجموعة، وكمان في مخارج الحروف." 
نعم أحسنت، فلكل.. 
تقاطعني لتعود بعفوية، مستطردا: 
"- مال صوتهم علا زيادة! شكلهم بيضاربوا، أقصد المجموعة اللي قبالنا وهولاك زيهم اللي بالزوة! 
أبتسمُ ساخرا من فضولك، لكن لا خيار لدي كالعادة: 
إلى شارع عشرين العظيم، ينزل كل البدو، من شتى بقاع سقطرى، لسماع آخر الأخبار، ومناقشة المستجدات، إلى جانب أمور أخرى ضرورية. 
ورغم قلوبهم النقية وكرمهم اللا محدود، وطبعهم العفوي المعجون بالتحضر الفطري، ناهيك عن سجايا أخرى عظيمة، 
إلا أنهم ليسوا ملائكة، وستجد الكثير منهم، يجتمعون هنا على شكل حلقات، لأجل إثبات ملكيتهم في نزاعات شتى. 
وبشكل عام، قضايا النزاع في سقطرى، لا تقتصر على الأراضي الواسعة فحسب، 
بل تضيق حد الوصول إلى بستان نخيل، حور، حوش، أو حتى على نخلة واحدة! 
لكن المدهش في الأمر، أن الخلاف بينهم، غالبا، لا يؤدي إلى التشابك بالأيدي، وإطلاقا، لا يصل إلى القتل وسفك الدم! 
أتعلم، ليت هذا الشاي الحليب، يُجلب من البيوت السقطرية، فالشاي هناك، يُنفخ بطريقة سحرية، 
ولا يعترفُ سوى بحليب "النيدو" أو بحليب غنمي. ورشفة واحدة منه قد تحلق بك في الآفاق أو.. 
آه صحيح؛ على يمينك اللحظة، مكتب طيران اليمنية، وعلى بعد خطوتين وكالة أخرى مشابهة، سنعود لهما عندما تقرر أن تحلق في السماء لوهلة!  
لكن حينها.. عليك أن تدفع ما يقارب ال 200 دولار، قيمة تذكرة واحدة لا أكثر، وبالتأكيد إلى سيئون فقط! 
تلتفت نحوي معلقا: 
"- أمانة إنك مصوع! جالس بتشرح النقطة هذه وكأني مادفعت دم قلبي! أنا كيف لوما جييت هنا.. أو مش بطائرة يا فهيم!." 
أضحك الآن ملئ فمي: (سلام عليك ياصاحبي، وهنيئا لك لحظة ثورية عارمة! )
ها.. دعك مني الآن، وإن كنت حقا تنوي أن تبيع دولارا،  أو تودع ريالك اليمني، 
"ترسل أو تستلم حوالة باسمك" فثق تماما أنك لن تتوه! 
كل أعمال المال هنا، وفي مرمى عينيك (البسيري- العمقي-الكريمي-النجم- كاك بنك- بنك الأهلي). 
"ش20" يضم في جانبيه لكل صنف من عمل وتجارة محلات وأكثر. 
بل أن الثلاثة الفنادق - الوحيدة في سقطرى- لن تجدها إلا هنا، كذلك مبنى (ديوان  المحافظة). 
وفيه: تسري السيارات في خطين دون فاصل أو رصيف، تلتقي الأخبار مع الإشاعات، 
يتلقى ظهر المسؤولين أشد أنواع النقد، أو أغزل عبارات الشكر والمديح السماوي! 
وناهيك عن جلسات "الحشوش" الأخرى، ففي زواياه المعتمة،  تتوارى كل فضفضات الحب، لتداري دموع وانتكاسات أصحابها.  
يتبع... 
#مجلة أقلام عربية_ عدد 59 
صلاح بن طوعري

تصنيفات

المتابعة عبر البريد

اشترك في القائمة البريدية الخاصة بنا للتوصل بكل الاخبار الحصرية