السموح يا جزيرة سمحة .. فالسفر إلى جزيرة عبدالكوري مغامرة!
✍🏻 محمود فتحي
السموحة يا جزيرة سمحة لم أكن على علم بأن الحطب الذي يدفئ مأواكم ويطبخ به مأكلكم يُجلب من جزيرة سقطرى على متن سفينة، ولم يكن في مخيلتي قط أنك جزيرة بلا وادي و أن مصدر الماء بكِ الوحيد هو ماء المطر.
السموحة أيتها العذراء العزيزة حينما وصلت إليكِ أصابني الذهول من عظمة ساكنيك وقوة كفاحهم في سبيل البقاء، فـ العيش في جزيرة لا يتوفر بها وحدة صحية أمراً يدهش ويحير العقل.
السموحة يا جزيرة سمحة لم أكن على دراية أن عدد المنازل فيكي يصل إلى 30 منزلاً .. وأنكِ جزيرة تفتقرُ إلى أبسط مقومات الحياة، ولم يكن حتى ذلك في مخيلتي.
السموحة يا سمحة فالسفر إلى جزيرة عبدالكوري مغامرة وقد كتب الله لي أن أعيش تلك الأهوال عندما غادرتك وعدتُ اليكِ مضطراً للتوقف عن المجازفة للخطرِ وقد شهدتُ الرعبُ يحوم من حولي والهلعُ يداهم جسمي بينما كانت في تلك اللحظات الأمواج تلاطم قاربنا والرياحُ تحاولُ تغيير مسارها لقد كانت نفسي في لحظة استسلام للباري.
لا تزال تلك اللحظات عالقة في دهني كيف لا تكون كذالك وقد عشتها بين بكاء الأطفال وصراخ الأمهات بين من يقول نعود وبين من يقول نستمر، والصادم في ذلك أن قبطان السفينة التي نحنُ على متنها كان يقول البحر شوار (هادئ) بينما حجم الموجة قد فاقت طول غرفة في منزل، فما بالنا حينما يكون هائجاً.
السموحة منكم أهالينا في جزيرتي عبدالكوري وسمحة فـ 117 و 40 ميلاً بحرياً (المسافة من سقطرى إليهما) فقد ظننت أن قطعه سهلاً ويستغرق ساعات معدودة، ولقد تغيرت المعادلة والحسبان وأدركتُ حجم معاناتكم ومخاطرتكم للوصول إلى أم الجزر "سقطرى".
لقد عرفتُ أيتها الجزيرتين أن المريض والقاصد منكم لسقطرى لابد أن يجازف بحياته بهذا الخطر المحدق في سبيل الوصول، وأن كل فرد ساكن فيك يؤمن سبل العيش في منزله من مواد غذائية وإيوائية والمتطلبات الضرورية لمدة 6 أشهر، وأن كل هذا يعتمد على مصدر رزق واحداً وهو "الاصطياد".
السموحة يا أهالينا في تلك الجزيرتين الغاليتين على قلوبنا القابعتين في وسط المحيط لم تف الكلمات والأوصاف حجم معاناتكم وألمكم، لم تسعفني الكلمات في وصف ما تمرون به لإيصال صراخ الأم وبكاء الطفل في المحيط الذي لا يزال صداه في أذنيي للآن.
رسالتي إلى من يهمه الأمر وإلى كل من أحب تلك الجزيرتين الوحيدةِ المؤهلتين بالسكان من بين جزر أرخبيلنا سقطرى، النظر تم النظر وثم النظر إلى معاناتهم وألمهم، لقد تلمست منهم تعاضد الإنسان السقطري وفطرتهُ السليمة وقد كانت حفاوة استقبالهم لنا وحسن الكرم لم تشعرني قط أني خارج أرخبيلنا العزيز.